ذكرت في مقال سابق بتاريخ 16-02-2013 تحت عنوان : هل يتكرر السيناريو السوداني بتونس ..؟ على إثر عملية اغتيال المغدور به شكري بلعيد و دعوة رئيس الوزراء آنذاك حمادي الجبالي الى تشكيل حكومة تكنوقراط دون العودة الى حزبه السياسي الذي كلفه بمهمة رئاسة الوزارة و أشرت في نهاية المقال أن مبادرة الوزير تحمل بوادر انشقاق لا مفر منها و أني لا أريد الدخول في التفاصيل لأنها مؤلمة . و لكن في اليوم التالي من المقال جاء في إحدى الصحف السيارة داخل التراب التونسي و على صفحتها الرئيسية : أنه لن يتكرر السيناريو السوداني بتونس و لكن الأحداث جاءت بغير ما تمنت الصحيفة و أعلن حمادي الجبالي عن ترشحه لمنصب الرئاسة كمستقل يعني انشقاقه عن حركة النهضة . ظاهرة الاختلاف داخل صف الحركة الاسلامية ليس بجديد و ليست سابقة أولى بل هي تكاد تكون متكررة و هي ظاهرة صحية شريطة أن يكون الاختلاف حول الاسلوب و كيفية إدارة المعركة و أن لا يتحول الخلاف الى تقاتل و تنابز بالالقاب و صراع من أجل السلطة أو تصفية حسابات أو إلغاء الطرف الثاني و بذلك ينهار الصف الاسلامي و يتفتت الى جزئيات يصعب فيما بعد لملمة أطرافه و تستفيد قوى الثورة المضادة من المعركة الوهمية و تفوز بالغنيمة و تغذي الصراع عبر الاعلام المسموم و الفتنة البغيضة. الوزير المستقيل لم يكن منفردا في اختياراته الأحادية الجانب بل كان يمثل رأس الحربة لمجموعة تيار الاعتدال او التيار الليبرالي داخل الحركة الاسلامية و الذي ينشط في صفوف الحركة على أعلى مستوى بل بعضهم على هرم السلطة فضلا عن ظهورهم العلني لتأييد مبادرة الجبالي ليلة تدبير الانقلاب على الشرعية . تيار حمادي الجبالي ليس الأخ العدو الوحيد للنهضة إنما التيار السلفي الجهادي هو أيضا أكثر شراسة و أقل حكمة و استيعابا و فهما لمقاصد الشريعة و أكثر اختراقا من رجال الأمن و اليسار المتطرف و قوى الثورة المضادة و هو لا يملك قراره بيده بل تسيره قوى خفية لإفشال المشروع الاسلامي و ضرب الاسلاميين فيما بينهم و إضعاف شوكتهم ثم ينقضوا عليهم جميعا و تفرغ ساحة الميدان للاعبين القدامى . و لا نبرئ هنا حمادي الجبالي من سقوطه في لعبة قوى الثورة المضادة خاصة بعدما تسرب من أخبار أنه سوف يتحالف مع جماعة الساحل التي تمثل العسكر القديم من أمنيين و رجال أعمال مقربين من المخلوع و ساسة تجمعيين الذين يجعلون من حمادي الجبالي حصان طروادة للدخول الى دواوين السلطة لعلمهم المسبق انهم منهزمون في الانتخابات القادمة و لذلك يختفون وراء جلباب حمادي الاسلامي الاسلامي المعتدل الذي سبق له أن دعا لحكومة وطنية تجمع كل أطياف اللون السياسي . انتهى .
في الحلقة القادمة نرى تفاصيل و أبعاد معركة الاخوة الاعداء و جذور الخلاف مستنيرين بتجربة السودان و تركيا و أين تكمن المصلحة .....في التعدد أو الوحدة ؟