“وغالب الصغار من أهالي تونس لابدّ أن يأكل كل واحد منهم فطيرة في الصباح وبذا جرت العادة و يأكل من يشتهي ذلك أيضا وهناك من يغمسها في العسل و السكر و يأكلها بشيء من الغلّة كالعنب أو الكرموس أو البيثر إلخ ..أهل هاته الصناعة من أهل الأعراض غمراسن”. هكذا عبّر المؤرّخ و الرحالة التونسي محمد بن عثمان الحشايشي عن مكانة الفطاير في البلاد التونسية عموما، مبرزا أصولها الغمراسنية و تصدُّرها للعادات الغذائية للتونسي رغم منافسة باقي الحلويات الآتية من الحضارات المتعاقبة على تونس تاريخيا في ما مضى. عراقة الفطاير عموما و إعتبارها من الموروث الثقافي و الحضاري في مختلف الجهات التونسية و بعضا من الجزائرية ولّدت لدى شباب غمراسن هاجسا للتعريف بهذه الصنعة و المنتوج و محاولة إبراز عراقته للأجيال الجديدة وذلك لإحيائها والتشجيع على إمتهانها كرافد إقتصادي أساسي لمناطق مختلفة لا فقط غمراسن، فكانت فكرة مهرجان الفطائر بغمراسن؛ فكرة من الشباب الناشط ضمن الغرفة الفتية الاقتصادية بالجهة تمتد فعالياته على يومين بفقرات متنوعة منها معرض الفطائر و الحلويات التقليدية المتنوعة يشارك فيه مختلف الفطايرية من تونس و الجزائر و فرنسا كما يتضمن فقرات إبداعية فنيّة و ترفيهية بروح معاصرة و متجددة موجهة للزوّار في محاولة للنهوض بالجهة سياحيا. زوار المهرجان من مُحبي البامبالوني و غيرها من أصناف الفطائر العديدة بالإضافة لقرن غزال و الزلابية و المقروض الغمراسني وعديد اصناف الحلويات التقليدية الاصيلة المميزة للجهة سيطلعون على طرق صنعها و بهجة رائحتها و سرّ مذاقها؛ مذاق ساهمت في إخراجه قصص الغربة و لوعة الشوق و كفاح الفطايري خارج الموطن وقد يكون إحتراقها بالزيت وصفا لهذا، ربما لكن صوت بداية إلتقائها معه و الرائحة التي تملك المكان وقتها تحكي بعدا آخر من عمق اللذة و الجمال … كيف لا وقد إستطاعت الفطاير الغمراسنية أينما حلت مع المهاجرين من الجهة أن تتأصل في بلد الغربة لتصبح جزءا من نسيجه الإقتصادي ومن عاداته الغذائية اليومية. تأصل لافقط في تونس بل تخطى حدودها إلى أوروبا و الأقطار المجاورة كالجزائر لكنها تبقى علامة مسجلة لفائدة فطايري غمراسن منذ القرون الماضية حيث بُعثت لها هياكل منذ القدم لتنظيم الصنعة و ضبطها على غرار الغرف الإقتصادية و الهياكل المهنية في زمننا الحاضر وهو أمر لابد من الوقوف عنده لتأمُّل مستوى وعي التجار و الفطايرية أنذاك رغم السياق التاريخي و الاطار العام للبلاد التونسية من إستعمار و تدني في الوعي؛ إلا أن انتشار المنتوج و إشعاعه بالإضافة لكثرة “الحوانيت” و إزدهار التجارة في هذا الإطار أصبحنا نتحدث انذاك عن مفهوم أمين الفطايرية يضبط التعامل بين التجار و يسهر على مراقبة الأطر العامة للصنعة داخل السوق و يمثّل الفطايرية وينقل مطالبهم للسلطة و يكون وجوبا ذو خبرة طويلة في المجال. ولعل هذا معطى آخر للصنعة يجعلك تتأمّل في خبايا المنتوج و عمقه لا فقط من حيث النكهة و الاصالة بل يتعدّى ذلك إلى عراقة في كل الجوانب. بقلم: منى العابدي