هيئة المحامين بتونس تدعو لإطلاق حملة قانونية ودبلوماسية دولية لمحاكمة الاحتلال الصهيوني    "مقعدان شاغران" في المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية    إنقاذ تونسي و 11 جزائريا تعطل مركبهم في عملية ''حرقة''    تاريخ الخيانات السياسية (29) خيانة القائد أفشين للمعتصم    استراحة صيفية    المشاركة في ملاحظة الانتخابات البلدية في فنزويلا    أخبار النادي الصفاقسي ..صرف النظر عن انتداب المثلوثي..والزحاف مرشح للرئاسة    توفير تذاكر مجانية    «رابورات»... تجار مخدرات... الصندوق الأسود لتجارة الكوكايين أمام القضاء    لبنان يودّع زياد الرحباني .. صوت للثورة والفنّ الهادف    أهدى مداخيل عرضه بمهرجان قرطاج إلى أهالي غزة.. محمد عسّاف صوت غزة وفلسطين النابض    أخبار الحكومة    توفير خدمة الإرساليات القصيرة    وزارة الصحّة تحذّر ...لا تتهاونوا في علاج إلتهاب الكبد الفيروسي    ائتلاف صمود يدين اختطاف سفينة حنظلة من طرف الإحتلال..    حادث نيجيريا: فريال شنيبة تعود إلى تونس وتُنقل إلى المركز الوطني للطب الرياضي    من برك مهجورة إلى منتزه عصري: فسقيات الأغالبة تستعيد بريقها التاريخي... تفاصيل المشروع    وزارة الصحّة : الاتفاق على إحداث لجنة وطنية للصحة الدماغية    عاجل/ السيسي يوجه "نداء" إلى ترامب بشأن حرب غزة..وهذا فحواه..    الكاف: مشاريع الماء الصالح للشرب والبنية التحتية ابرز اهتمامات زيارة ميدانية لبلدية بهرة    بن عروس : زياد غرسة يفتتح الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان بوقرنين الدولي    مهرجان الحمامات الدولي: فرقة "ناس الغيوان" تنشد الحرية وتستحضر قضايا الإنسان وصمود فلسطين    صفقة القرن: تسلا تتحالف مع سامسونغ في مشروع بالمليارات !    تشري ماء الي يتباع في الكميون؟ راجع روحك!    مونديال أصاغر لكرة اليد: برنامج مقابلات المنتخب الوطني في المسابقة    بطولة بورتو للتنس : معز الشرقي يفوز على البرتغالي ديوغو ماركيس ويتاهل الى الجدول الرئيسي    عاجل/ بطاقة إيداع بالسجن في حق مغني الراب "علاء"..وهذه التفاصيل..    في بعض الحالات...تحاليل المخدرات تشمل ركاب السيارة ...تفاصيل!    تونس: لحوم مورّدة بأسعار مدروسة: 38,900 د للضأن و37,800 د للأبقار في الأسواق التونسية    تفاصيل مهمة بشأن الزيادة في أسعار بعض الأدوية والتخفيض في أدوية أخرى    عاجل/ بشرى سارة لمتساكني الضاحية الجنوبية للعاصمة..    "فقد لا يُعوّض إنسانياً وفنياً".. هكذا تنعي ميادة الحناوي زياد الرحباني    فيلم "عائشة" لمهدي البرصاوي يفوز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل خلال الدورة 46 من مهرجان دوربان السينمائي الدولي بجنوب إفريقيا    عاجل/ استخبارات إيران تكشف عن إحباط اغتيال 23 مسؤولاً رفيعاً..    أمنية تونسي: نحب نفرح من غير ''لايك'' ونحزن من غير ''ستوريات'' ونبعث جواب فيه ''نحبّك''    عاجل: انطلاق إرسال الاستدعاءات الخاصة بعرفاء حرس الحدود...اليك مواعيد الاختبارات    اليوم 28 جويلية: رد بالك تعوم في البلاصة هاذي !    تحس روحك ديما تاعب؟ ممكن السبب ما تتصوروش    خبيرة تجميل تونسية: هذه أحدث تقنيات الرموش الاصطناعية... وزيت الزيتونة هو السرّ    زوجة حاتم العوينى المشارك في سفينة حنظلة تكشف سبب رفضه التوقيع على وثيقة الترحيل    جامعة النقل تصعّد وتهدد: إضراب شامل ب 3 أيام قريبًا، حضّر روحك    ''جواز سفر في نصف ساعة'': وزارة الداخلية تعزز خدماتها للجالية بالخارج    سحب رخصة السياقة يعود بقوة...وقانون الطرقات الجديد يدخل حيز التنفيذ قريبًا!    وزارة الداخلية تكشف عن جملة من الخدمات متوفّرة للتونسيين بالخارج..    التونسي محمد عياط يُبدع ويتوّج بذهبية إفريقيا في الكوميتي وزن -60 كغ    ريال مدريد يشعل الميركاتو: نجوم كبار على باب الخروج وصفقات نارية في الطريق!    نابل: إنتاج الكروم المعدّة للتحويل يتجاوز 17 ألف طن رغم تراجع المساحات    مفزع/ 30 بالمائة من الشباب يقودون السيارات تحت تأثير الكحول..!    محمد عزيز العرفاوي يهدي تونس أول ميدالية ذهبية في الألعاب الإفريقية المدرسية    الجولة القارية الفضية لألعاب القوى بألمانيا: رحاب الظاهري تنهي سباق 2000 متر موانع في المرتبة السادسة    تنبيه هام لمستعملي هذه الطريق..#خبر_عاجل    تحذيرات من البحر: حالتا وفاة وشاب مفقود رغم تدخلات الإنقاذ    تتغيب عنه الولايات المتحدة.. المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية ينطلق في نيويورك بمشاركة واسعة    طقس اليوم.. درجات الحرارة في ارتفاع طفيف    صيف المبدعين ..الكاتب سامي النّيفر .. حقول اللّوز الشّاسعة وبيت جدّي العامر بالخيرات    اليوم: غلق نفق محول بئر القصعة    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة وتوظيف الدين
نشر في الصباح يوم 23 - 02 - 2011

الحبيب الجنحاني من أبرز ما تتميز به النظم السلطوية تسخيرها لجميع المجالات والوسائل تكميما للأفواه، وزرعا للخوف في قلوب الناس ضمانا لاستمرار السلطة، واستغلالها لفائدة الطغمة الحاكمة، ومن يدور في فلكها من الموالي. يمثل النظام السابق نموذجا في استعماله جميع الأساليب قصد إحكام قبضته الحديدية على المواطنين فهو يصنف ضمن أعتى النظم الديكتاتورية التي عرفها التاريخ المعاصر، وأشدها تعسفا وشراسة. سخر وسائل الإعلام، والقضاء، والنظام التربوي، والثقافة، وشراء الذمم في الداخل والخارج.
من أخطر الأسلحة التي حاول الإفادة منها، وأعمقها تأثيرا الدين. قد يتساءل المرء في هذا الصدد: لماذا الدين بالذات؟ هدفوا من وراء ذلك الظهور أمام عامة الناس الذين لا يعرفون ما هي الزوايا من خبايا بأنهم حماة لهوية البلاد الإسلامية، وأنهم ينتسبون إلى فئة الصلاح والتقوى، وهكذا وظفت خطب الجمعة للإشادة «بحامي حمى الوطن والدين»، والدعاء له بالصحة، وطول العمر ليعز به الله الإسلام والمسلمين، وأسست شبكة من المخبرين داخل المساجد، وليس من الصدفة إلحاق المؤسسات الدينية بجميع أصنافها بالداخلية.
وتطور المخطط قبل سنوات قليلة للشروع في إعداد تربة خصبة لنشر إسلام شعبوي تتفشى في صفوف أنصاره الخرافة والفكر الأسطوري، وذلك ضمن خطة التوريث، واستغلت المناسبات الدينية مثل شهر رمضان لتخدير الناس بأساطير لم تعرفها أشد العصور الإسلامية تخلفا مثل أن للملائكة أجنحة، وأن لجبريل وحده ستمائة جناح، وأن المسلمين المقاتلين في غزوة بدر شاهدوا سيوف الملائكة تحصد رؤوس المشركين، وهو هراء لا نجد له أثرا في النصوص التأسيسية للتاريخ الإسلامي، فإذا كان الملائكة هم الذين حسموا المعركة فماذا بقي لأولئك الأبطال من الصحابة، وهم الذين حققوا النصر بخطة عسكرية ناجعة، وشجاعة نادرة أنقذت الدولة الفتية في المدينة من الانهيار، ومهدت لمرحلة خروج الدعوة الجديدة خارج حدود الجزيرة العربية لتنتشر شرقا وغربا.
ويندرج ضمن مخطط نشر الإسلام الشعبوي الخرافي تأسيس إذاعة الزيتونة بحجة خدمة الهوية الإسلامية للبلاد مستغلة اسم مؤسسة تربوية لها تراثها العريق في الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية للبلاد، ومقاومة الاحتلال، ومن تعاون معه من شيوخ الزوايا لنشر الخرافة قصد إلهاء الناس عن قضيتهم الأصلية يومئذ القضية الوطنية.
إن التراث الزيتوني المستنير يمثله أبناء الزيتونة الذين سقطوا شهداء في ساحات النضال ضد المحتل، ونددوا في كل العصور بالظلم والاستبداد، يمثله الزعيم عبد العزيز الثعالبي الذي نزل سنة 1904 إلى الشارع منددا بالطرق والزوايا التي استعملها الاستعمار لتخدير المواطن وقد زج به في السجن، ويمثله الطاهر الحداد، وأبو القاسم الشابي وقد تحول شعره: «إذا الشعب يوما أراد الحياة...» هذه الأيام نشيدا للثورات الشعبية العربية، ويمثله محمد الفاضل ابن عاشور الذي أسهم في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، ونشر من أعلى منبر الخلدونية، الفكر الإصلاحي المستنير، ويمثله المناضل الكبير محيي الدين القليبي الذي حمل السلاح في آخر حياته دفاعا عن فلسطين.
هذا هو التيار الزيتوني الثائر الذي يمثل الرسالة التجديدية النبيلة للزيتونة، وليس أولئك الذين قبلوا أيدي الطاغية، وزينوا محافله بعمائمهم ولحاهم، وأضحك عليهم الناس لما أجلسهم في الصف الأول ليقفوا منشدين ومناشدين. وقيل قديما في هؤلاء «إنهم يأكلون الدنيا بالدين».
وبعد إذاعة الزيتونة جاء دور بنك الزيتونة والتنظير للبنوك الإسلامية باعتبارها المنقذ من الأزمة المالية الوطنية والعالمية معا ومرة أخرى استغلت العمامة الزيتونية لما خطط لها ضمن مسرحية تدشين مقر البنك الجديد لتزين الحفل، وليعلن صاحبها أن الادخار في بنك الزيتونة هو الادخار الصحيح، ويفهم من ذلك ضمنيا أن الادخار في البنوك باطل، وتساءل كثير ممن يحترمون ذلك الشيخ الوقور، وتحلقوا حول دروسه في الوعظ والارشاد: ألم يسأل نفسه كيف استطاع من زين به المحفل أن يجمع في سنوات معدودات ثروة بمئات المليارات؟
وأجاب أحد المدافعين عن الشيخ الجليل قائلا: لا يذهب بكم الظن بعيدا، فإن بعض الظن إثم، لعله غرر به فصدق الرواية المتواترة التي تقول إنه جمعها بعرق جبينه، والتواتر يفيد القطع في بلاد المغرب، كما يقول ابن خلدون.
أما الدرة اليتيمة التي فضحت مخطط توظيف الدين فقد وردت على لسان سماحة «مفتي الجمهورية التونسية» بجريدة «الصباح» يوم 8 جانفي 2011 وقد حصد الرصاص العشرات من أرواح الشباب التونسي ليقول لنا: «لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم، ووزعوها بالعدل على المناطق الأكثر احتياجا وفقرا أسوة بسيادة رئيسنا المفدى الذي يعمل جاهدا على إزالة مظاهر الفقر، وتوفير مواطن الشغل للقضاء على البطالة لكان خيرا لهم، ولغيرهم»!
لا أدري لماذا لم يعتمد السيد الوزير الأول هذه الفتوى لتحقيق التنمية الجهوية، وحل مشكل البطالة، وبذلك يستغنى عن مساعدات المؤسسات الدولية، ويلغي المؤتمر الدولي المزمع عقده في شهر مارس القادم؟
أدان سماحة المفتي في هذا التصريح البطل الخالد محمد البوعزيزي، وقد تحول إلى رمز، بل قل أيقونة للشباب العربي في ثورته من أجل الحرية والكرامة، ومقاومة الظلم والفساد، وأدان بذلك أولئك الأبطال الذين عرفتهم حركات التحرر الوطني العربية في تونس والجزائر، وفلسطين لما أدركوا أن وقوعهم في أيدي العدو يمثل خطرا على الثورة، وعلى زملائهم المقاومين فضحوا بأنفسهم.
طلع علينا سماحة الشيخ المحترم ببدعة غريبة لا أدري من أين جاء بها لما قال إن المنتحر: «مرتكب كبيرة، وليس بكافر فيغسل، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلي عليه الأفاضل من الناس»، أعترف أنني لأول مرة أسمع أن في الإسلام طبقات في الصلاة على الميت، هنالك «الأفاضل»، وهنالك غير الأفاضل، من هم هؤلاء «الأفاضل» سماحة الشيخ، هل منهم من كنت تدعو له في كل مناسبة دينية بالصلاح، وطول العمر؟
سماحة الشيخ الفاضل أنت تعلم جيدا أنه لا يصح بتر الآيات القرآنية عند الاستشهاد بها، فلماذا بترت الآية رقم 32 من سورة المائدة فقلت لتدين محمد البوعزيزي: «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض...»، وبداية الآية هو «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس...».
هل لأنك تفطنت، وأنت سيد المجتهدين، أن في فهم هذه الآية اجتهادات متعددة، لعلك تعلم أن ليس كل ما كتب على أهل الكتاب السابقين كتب على المسلمين. لا أريد أن أدخل هنا في جدل حول الاجتهاد في فهم النص القرآني.
اسمحوا لي سماحة الشيخ أن أحيي فيكم الجرأة لما تنكرتم في نصكم المنشور بجريدة «الصباح» (20/2/2011) لما صرحتم به يوم 8 جانفي الماضي، وقد سقط يومئذ عشرات الشهداء، تشيدون في النص الجديد بثورة العز والكرامة، وتكرمون روح الشهداء، وطالبتم من موقع «مسؤوليتكم الدينية في البلاد» أعضاء اللجنة السياسية باحترام الفصل الأول من الدستور، «وعدم تركه حبرا على ورق مثلما كان الشأن منذ ما يزيد عن خمسين عاما»، وطالبتم في رسالتكم المفتوحة بإعادة الاعتبار للإسلام «بعد أن كان هيكلا خاويا لا روح فيه منذ ما يزيد عن نصف قرن»، ولا أدري، فضيلة الشيخ، هل تفطنت أن نصف القرن الماضي يشمل أيضا مدة من عينكم في منصف الإفتاء، وسميْته في نص 8 جانفي الماضي بالرئيس المفدى!
كنت أتمنى، أيها الشيخ الفاضل، أن تختم رسالتكم المفتوحة، قائلين: إنها تكفير عن حوار الثامن من جانفي، وقد مرت يومئذ على سقوط الشهداء بالعشرات ثلاثة أسابيع.
أطلب لي، ولكم من الله المغفرة، وإن كتب لكم يوما أن تدخلوا الجنة فتأكدوا أنكم ستجدون في استقبالكم محمد البوعزيزي مبتسما، ومقدما لكم أول من وقف في الإسلام ضد الاستبداد، والتوريث سيد الشهداء الحسين بن علي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.