تعدّ ولاية سيدي بوزيد إحدى أهمّ المناطق المهمشة صناعيا لما تعانيه من فقر واضح على مستوى هذا القطاع الذي بقي قليل الإشعاع ومحصورا في بعض المجالات الثانوية رغم أنّ المخزون التاريخي للجهة يظلّ أحد الآفاق أو بالأحرى أحد الأبواب التي يمكن طرقها لتجاوز العوائق وخلق مشهد صناعي يهتم في المقام الأول بالموروث الثقافي ومخزون الذاكرة الإجتماعية. مشاكل بالجملة لئن كانت الأرضية متوفرة للحديث عن مجال الصناعات التقليدية إلا أنّه يعتبر محدودا للغاية، علما وأنّ القطاع يشمل عدّة منتوجات مثل "الكليم" و "الغرارة" و"الزريبة" و خشب الزيتون و السمار و خياطة الملابس التقليدية ونسيج "الملف". وبالعودة إلى الإحصائيات الرسمية المتوفرة نجد أرقاما مزعجة توضح حجم المعضلة إذ أنّ عدد الحرفيين الحاصلين على بطاقات مهنية هو 15 تسعة منهم في معتمدية سيدي بوزيدالغربية. وهذا نتاج تراكمات وأسباب أهمها العزلة التي تعيشها الجهة والتي تعيق ترويج المنتوج إلى جانب غياب سوق للصناعات التقليدية وهياكل تتولى الإشهار والتسويق على المستوى الوطني مما يؤكد وبصفة مرئية ما كانت تكرسه سياسة العهد البائد التي ظلّت تهمش و تشلّ ما يمكن أن ينشط الحركة الاقتصادية بالمناطق الداخلية. وهذا غير مخفي باعتبار طبيعة التوجهات الرامية بالأساس إلى عدم إدماج المنتوج المحلي التقليدي في المنظومة الوطنية للصناعات التقليدية حيث لا نجد أي حامل للبطاقة المهنية في معتمديات الرقاب وجلمة و بنعون والمزونة والسبالة وأولاد حفوز حسب الدراسة الميدانية التي أعدها قسم التشريع والنزاعات والتوثيق بالإتحاد العام التونسي للشغل حول تشخيص واقع التنمية بولاية سيدي بوزيد وهو ما يؤكد عدم إمكانية الحديث عن إسناد قروض للعاملين بهذا القطاع بحكم غياب توفر الشروط القانونية كبطاقة النشاط والشهادة في الكفاءة المهنية. آفاق التجاوز هذا الوضع لا يحتمل التأجيل أكثر إذ أنّ مجال الصناعات التقليدية بالجهة قد يكون صاحب دور فعّال في تنشيط الدورة الاقتصادية على جميع الأصعدة باعتبار المرجعية التاريخية لربوع سيدي بوزيد و بالتالي البحث عن حلول جادة وعملية لتنظيم القطاع والعناية به أمر ضروري. ولعلّ أهمها تيسير إجراءات القروض وخاصة الحدّ من الضمانات بالنسبة لبنك التضامن كما تجدر الإشارة إلى حتمية الربط بين التكوين المهني ومجال الصناعات التقليدية بالحرص على تكوين يد عاملة مختصة قصد المحافظة على الموروث الثقافي والاجتماعي في مستوى أول وتوسيع دائرة النشاط الصناعي وما في ذلك من تفعيل الحركة الإقتصادية في مرحلة ثانية. كما أنّ العمل على فتح الأسواق أمام المستثمرين من أجل ترويج منتوجات الصناعات التقليدية يعدّ مؤشرا هاما فضلا عن فتح الآفاق أمام كل من يستطيع المساهمة و توفير أطر مثل التعاونيات للتشجيع على الانخراط و العمل.