* مراكز البحث الحكومية والخاصة مطالبة بتقديم دراسات استشرافية تجعل التبادل الثقافي الاورو مغاربي أكثر جدوى وأكثر مصداقية تونس الصباح - أسدل أمس الستار على فعاليات منتدى الفكر المعاصر المنتظم ببادرة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وتم خلال هذا المنتدى الذي تواصلت أشغاله ثلاثة أيام بحث مسالة "دور المؤسسات العلمية والمجتمع المدني في الحوار متعدد الثقافات والتبادل الاورو مغاربي".. وقد اتفق المشاركون فيه على أن إعداد تصور جديد للمغرب العربي يعد الان وقبل أي وقت مضى ضرورة ملحة.. ولهذا الغرض وتنفيذا لتوصيات المشاركين أفادنا الدكتور عبد الجليل التميمي أن المؤتمر القادم سيكون عنوانه "من أجل تصور جديد للمغرب العربي". ويذكر أن المتابعين لمنتدى الفكر المعاصر تمكنوا من الاستفادة من رؤى العديد من الجامعيين والمثقفين الذين قدموا مقترحات عملية لدعم الحوار الجدي بين المغرب العربي وأوروبا ومن بين هؤلاء الدكاترة أعلية علاني وعبد الله تركماني وحسينة بوعدة وأحمد الجدي.. إشكاليات حاول الاستاذ والمؤرخ أعليّة علاني بحث الاشكاليات الحالية للتبادل الثقافي الاورو مغاربي.. وحسب رأيه فهي تتمثل بالخصوص في ثلاثة عناصر أولها عدم استمرارية السياسة الفرنسية التقليدية التي كانت تعطي للجانب الثقافي أهمية مركزية في عمليات التبادل.. فساركوزي على عكس سلفه شيراك يعطي الاولوية للتبادل الاقتصادي والامني على حساب القطاعات الاخرى. أما العنصر الثاني فهو الضغط المتواصل واللاّمبرر أحيانا في الالحاح على تنقيح البرامج المدرسية ببلدان جنوب المتوسط في اتجاه إعطائها بعدا متوسطيا أكثر منه محليا. ولان كان ذلك مفيدا أحيانا في تجارب بعض الاقطار إلا أن القفز على الخصوصيات الثقافية المحلية باسم الثقافة الكونية أو المتوسطية يمكن أن يخلق أجيالا منبتة عن واقعها الثقافي والحضاري. فالانفتاح الثقافي لكلا الطرفين الاوروبي والمغاربي على بعضهما في كل المجالات مسألة حيوية لكنه يظل منقوصا إذا كان من جانب واحد، وإذا أهمل كذلك ضرورة التمييز بين ما هو محلي وما هو متوسطي. أما العنصر الثالث فهو التعامل بمكيالين بخصوص التنديد بالمجازر والفظائع التي حصلت إبان الحرب العالمية الثانية. فمن جهة تقدم أوروبا كامل اعتذاراتها لليهود الذين تضرروا من المحرقة وتقدم لهم التعويضات المالية.. في حين نجدها ترفض مجرد الاعتذار فقط عن مجازر ارتكبتها في حقوق شعوب مستعمرة. وفي الوقت الذي ترفض فيه الاعتذار عن مجازرها بشمال إفريقيا نجدها تستصدر قوانين من مجلس الامن لادانة الاتراك بإبادة الارمن في مطلع القرن الماضي. ويرى المؤرخ أن هذا التعامل بمكيالين من شأنه أن يجعل التبادل الثقافي محدود التأثير إن لم نقل مهمشا أصلا. ولتصحيح مسار هذا التبادل أكد الاستاذ علاني على تكثيف المبادلات الثقافية لكلا الطرفين على قاعدة التوفيق بين الجوانب الخصوصية المحلية والجوانب الكونية في المجال الثقافي انطلاقا من رؤية إستراتيجية تدفع في اتجاه حوار الثقافات وترسيخ قيم التسامح والعقلانية. وفي هذا الاطار فإن لمراكز البحث الحكومية والخاصة لكلا الطرفين دورا بارز افي تقديم دراسات إستشرافية تجعل التبادل الثقافي الاورومغاربي أكثر جدوى وأكثر مصداقية. ما بعد الحداثة وتعدد الثقافات عنون الاستاذ عبد الله تركماني مداخلته ب "ما بعد الحداثة.. وتعدد الثقافات" وبين فيها أنّ عصر الحداثة لم ينغلق في نمط نهائي.. بل هو في تطور متواصل بهدف التعاطي المجدي مع التحديات التي تواجهها المجتمعات البشرية عبر عقلانيته النقدية. ولكنّ مشروع الحداثة الذي بدأ منذ عصر التنوير الاوروبي في القرن الثامن عشر قد أوصلنا إلى مرحلة جديدة من تاريخ الانسانية هي مرحلة ما بعد الحداثة. وأضاف: "لعل منبع تجدد الاشكال الثقافي اليوم راجع إلى تصادم حقيقتين بارزتين: أولاهما الالتزام الجماعي بمقتضيات الكونية الناتجة عن مسار تَوَحُّد البشرية واقتران مصائر أبنائها من خلال الثورة الاتصالية والاندراج في الاقتصاد العالمي.. وثانيتهما الاقرار النظري والمعياري بحق الثقافات في الاختلاف والتمايز وتماثلها من حيث القيمة والمشروعية. والواقع أنّ مكمن الاشكال عائد إلى صعوبة صياغة تأليفية لهاتين الحقيقتين". وفي تناوله لاصول مصطلح ما بعد الحداثة أشار إلى أنّ المصطلح لم يأخذ كل أبعاده الفلسفية إلا عندما أصدر المفكر الفرنسي جان فرانسوا ليوتار كتابه المعروف " شرط ما بعد الحداثة " عام 1979. كما أشار إلى أنّ مفكري ما بعد الحداثة يرفضون التعميم الشامل مقابل شرح الخصوصيات بسياقاتها ومستوياتها ويرفضون التجانس الوهمي مقابل التنوع الواقعي ويرفضون الاجوبة القطعية مقابل الاحتمالات المتعددة للحالة. أما التنوع الثقافي فهو يعتمد على حد قوله جملة من المبادئ أهمها تساوي جميع الثقافات في الكرامة وفي جدارة الاحترام.. ومبدأ الانتفاع المنصف.. ومبدأ الانفتاح والتوازن. وقال: "إنّ عقدا ثقافيا ذا طابع إنساني يجب أن يتجنب التعصب من جهة والانقطاع عن الجذور من جهة أخرى. وفي تناوله لموضوع العرب وما بعد الحداثة وتعدد الثقافات، أكد تركماني على الحاجة العربية إلى ترسيخ القيم العقلانية، من أجل محاربة الجهل والتعصب والاستبداد في الرأي وكل القيم القروسطية التي لا تزال تسيطر على المجتمع وهو يرى أن ثمة أهمية كبرى لصياغة إستراتيجية عربية للحوار والشراكة مع الثقافات الاخرى مما يستدعي القيام بدور نقدي مزدوج: من جهة يجب الاستيعاب النقدي لفكر الاخر بمعنى المتابعة الدقيقة للحوار الفكري العميق الذي يدور في مراكز التفكير العالمية وفي العواصم الثقافية الكبرى. ومن جهة ثانية يجب النقد الذاتي للانا العربية. وأضاف: في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين تواجه البشرية خيارات مختلفة فإما إعادة إنتاج نظام الهيمنة القديم تحت شعار النظام العالمي الجديد أو خلق نظام ما بعد الهيمنة والذي سيستمد مضمونه من البحث عن أرضية مشتركة بين التقاليد المكوّنة للحضارة الانسانية من خلال الاعتراف المتبادَل بالتقاليد المميّزة للثقافات الانسانية المتعددة وتجاوز نقطة الاعتراف المتبادَل والاتجاه نحو تقبّل التفاعل بين الهويات الثقافية المتعددة والتي تسمح بالتعايش بين مختلف التقاليد الحضارية. دور المجتمع المدني تحدثت الجامعية حسينة بوعدة عن المجتمع المدني ودوره في الحوار الثقافي وتحديدا عن جمعية القارئ الصغير بمدينة وهران بالجزائر- التي تتولى عملية الاتصال الثقافي مع المجتمعات الاوروبية من خلال نشاطاتها الثقافية والتربوية وتحدثت عن استراتيجيات اختيار الكتب ودور ذلك في التعريف بثقافة الاخر واكساب الطفل بعض الرموز والقيم الحضارية الغربية. وتحدث الجامعي أحمد الجدي عن أدوار المجلات الجامعية المغاربية بفرنسا الصادرة بجامعة تولوز.. وعن الدور الهام والرائد والمحدود في آن الذي تقوم به تلك المجلات الاكاديمية في ترسيخ قيم الحوار العلمي والثقافي بين ضفتي المتوسط.