على الرغم من أن بعثة المراقبين الدوليين التي بدأت مهمتها أول أمس في سوريا مختلفة جوهريا عن بعثة المراقبين العرب، لكونها تستند إلى قرار صادر عن مجلس الأمن بإجماع كل الدول الأعضاء بما فيها روسيا والصين، ما يجعل فرص نجاحها أفضل بكثير من سابقتها... إلا أن حظوظ نجاح مبادرة مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي أنان تبقى ضئيلة جدا، وذلك لسبب بسيط وهو أنه حتى في صورة النجاح في التوصل إلى وقف اطلاق النار بين طرفي الصراع كمبدإ أولي، فالنظام السوري غير مستعد للجلوس على طاولة الحوار مع خصومه للتفاوض على تنحيه من سدة الحكم... فهذا أمر مرفوض تماما بالنسبة للأسد لأنه يعد بمثابة الاستسلام والاعتراف بالهزيمة. لذلك من المرجح أن يصر النظام السوري على الذهاب إلى النهاية في انتهاج حلوله الأمنية الشرسة رغم الضغوط الدولية المسلطة عليه ما ينذر بأن تكون الأيام المقبلة أكثر دموية. ولعل من العوامل الرئيسية التي شجعت نظام الأسد على المضي قدما في ممارساته القمعية غير آبه بالمجتمع الدولي، حقيقة أن البلدان الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة لا تبدي مؤشرات على استعدادها للتدخل عسكريا في سوريا لعدة اعتبارات لعل أبرزها: - التخوف من تداعيات انتهاج أسلوب القوة لتغيير النظام في سوريا، باعتباره خطوة غير مضمونة النتائج ومن المرجح أن تفضي إلى حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، بما يجعلها كارثية على المصالح الحيوية للبلدان الغربية. - اعتبار الحفاظ على أمن إسرائيل كأولوية مطلقة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث تخشى واشنطن من دفع الأسد لانتهاج سياسة الأرض المحروقة في صورة عملها صراحة على تغيير نظامه بالقوة، الأمر الذي سيعود بالوبال حتما وبدرجة أولى على الأمن الإسرائيلي. - القلق الأمريكي في خطر وصول الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي تمتلكها سوريا إلى جهات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل ك «حزب الله» في لبنان. - استيعاب الدرس من التداعيات الكارثية التي أفرزها تدخل «الناتو» للاطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ليس على ليبيا فقط بل على المنطقة برمتها. - عامل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي هي على الأبواب والتي تمنع الرئيس باراك أوباما من التفكير حتى مجرد التفكير - في انتهاج الخيار العسكري. إذن وكما يتضح من هذه المعطيات، فإن كل العوامل والظروف الحالية يبدو أنها تصب بدرجة أولى في مصلحة نظام الرئيس بشار الأسد الذي سيعمل وهذا مؤكد - على ربح المزيد من الوقت في مواجهة انتفاضة شعبه، لكن أنّى له أن يكسب المعركة في نهاية المطاف.. وعليه أن يدرك أن تنحيه عن الحكم بات مسألة مفروغا منها حتى وإن تطلب ذلك مزيد التضحية ومزيد الدماء البريئة..