حين صرح حسين العباسي الأمين العام لاتحاد الشغل منذ يومين أنه في صورة فشل الحوار الوطني سيكشف أربع حقائق ستصدم التونسيين فهو بذلك يمارس ضغطا نفسيا على مائدة الحوار للتسريع باتخاذ القرارات السياسية التي من شأنها تجاوز الأزمة القائمة وهي قرارات قرأناها في وثيقة الاتحاد ذات صبغة إنقلابية على الشرعية وعلى المسار الانتقالي ولا علاقة لها بمصطلح الحوار بل هي تعليمات وإملاءات تحت التهديد بنسف كل المسارات الانتقالية . إن ما يثير الاستغراب حقا هو استعمال عبارة (سيصدم التونسيين ) ونحن نعلم جيدا أن التونسيين مصدومين أصلا من ورقة الحوار وما تضمنته من مطالب أشبه ما تكون من ( شرط العازب على الهجالة) كما يقول المثل الشعبي وأردنا من خلال هذا المقال طرح أربع حقائق صادمة حقا للتونسيين لأن محاولات الانقلاب على الشرعية لم تبدأ مع مبادرة الاتحاد بل بدأت بتاريخ إعلان نتائج الانتخابات للمجلس الوطني التأسيسي وصعود طبقة سياسية جديدة للحكم لم يكن يتوقعها الموتورين . الحقيقة الأولى : عندما توجه الدكتور منصف المرزوقي للشعب التونسي يوم 15 ديسمبر 2011 في أول خطاب له بعد فوزه بمنصب الرئيس وطالب من خلال هذا الخطاب بهدنة اجتماعية لا تقل عن ستة أشهر حتى تتمكن تونس من استرداد الانفاس وإنقاذ تونس من الانزلاق نحو الافلاس جوبه هذا الخطاب بالسخرية والتهكم من المعارضة السياسية ومن الأطراف الاجتماعية بداعي أن هذا الطلب يستبطن الرغبة في الاستيلاء على الدولة والبقاء في الحكم إلى ما لا نهاية. إن هذه الردود الرافضة للهدنة كانت بداية انطلاق الانقلاب على الشرعية والعمل على إفشال المسار الانتقالي بشتى الطرق ومختلف السبل ومن أهم هذه الطرق هو إضعاف الاقتصاد والعمل الدؤوب على التسبب في انهياره حتى يمكن تجييش الفئات الفقيرة والمحرومة والتمهيد للانقضاض على الحكم بداعي التقهقر الاقتصادي والتوتر الأمني والاجتماعي . الحقيقة الثانية: إن الاستقرار الأمني والسياسي هو الشرط الأول والأساسي لأي نمو أو ازدهار اقتصادي وأن الاقتصاد التونسي المعروف بطبيعته المرنة القادرة على امتصاص الصدمات وبتنوع قطاعاته المنتجة وذات المردودية العالية كان قادرا ومؤهلا لطفرة تنموية واقتصادية غير مسبوقة لو تم إطلاق مبادرات الحوار حينها وأجمع الفرقاء على السلم الأهلي وعلى عدم المساس بأعمدة الاقتصاد التونسي من ناحية الاعتصامات والإضرابات والمزايدات السياسية العقيمة. لكن يبدو الآن واضحا وجليا وبعد مرور أكثر من عامين من الزمن أن رفض مبادرة الهدنة الاجتماعية كانت لها خلفيات سياسية على علاقة بالفكر اللاديمقراطي الذي عوض أن يبحث عن سبب الفشل في أول انتخابات شرعية ونزيهة والعمل على تفادي النقائص في المواعيد الانتخابية القادمة حاول منذ اللحظة الأولى للهزيمة والنكسة الانتخابية العمل على تحطيم كل شيء يمكن أن يؤدي لنجاح السلطة الجديدة وكان تحطيم الاقتصاد من أولى أولوياته وذلك بشن حملة إضرابات وإعتصامات وقطع طرق وإيقاف التصدير وكان ذلك بطريقة جنونية وهستيرية وغير محسوبة العواقب على العباد والبلاد. ولعب الاعلام الكاذب والمضلل دور رأس الحربة في توجيه السهام للاقتصاد التونسي بالتغطية الاخبارية المتواطئة والداعمة لكل الأعمال التخريبية للإقتصاد الوطني والمبتهجة لغلق الشركات والمعامل ووقف إنتاج الصناعات التصديرية. الحقيقة الثالثة : إن فشل الترويكا من عدمه لا يحدده من فاز بمعقد واحد في انتخابات شرعية وذلك بفضل قانون ظالم وجائر يسمى أفضل البقايا كما أن توصيفات الفشل والنجاح ليس من مشمولات إعلام مريض أمضى حياته في التغني بنجاحات وإنجازات رئيس مخلوع أثبتت الأيام أنه أفشل رئيس في تاريخ تونس وأن من كان يتحدث عن المعجزة الاقتصادية لبن علي لا يحق له التحدث الآن عن فشل حكومة شرعية ومنتخبة ومصدر ثقة التونسيين رغم الصعوبات والانتكاسات. ففي النظم الديمقراطية مفهوم الفشل ليس من صلاحيات نخب مهزومة ومنكوبة وليس من مهام إعلام احترف الكذب حتى أنه لا يعرف ما معنى الصدق وإنما الفشل أو النجاح تحدده الارادة الشعبية عن طريق الصندوق ولا شيء غير الصندوق في انتخابات نزيهة وشفافة. إن من يتحدث عن الفشل لتحقيق غايات سياسية انقلابية إنما هو يقفز في الهواء الطلق بعيدا عن حقائق الواقع وأن الفشل أوالنجاح لا يمكن الحديث عنه إلا عند إعلان نتائج الانتخابات القادمة والتي كل المؤشرات تؤكد أن الفاشلين أول مرة سيتكبدون هزيمة نكراء مرة أخرى بعد أن عجزوا عن القيام بالنقد الذاتي لبيان سبب كره الناس لهم ومعرفة لماذا يتركونهم وراء ظهورهم ولا ينتخبونهم . إن الفشل الثاني المتوقع هو دافعهم الرئيسي والأساسي لمحاولات الانقلاب على الشرعية وعلى المجلس التأسيسي والرغبة المرضية في تحويل المسار الانتقالي الى مسار ديكتاتوري يقطع الطريق على الإرادة الشعبية الحقيقية . الحقيقة الرابعة : لم تفشل حكومات الترويكا المتعاقبة كفشلها في إدارة ملفين: ملف الاعلام وملف إتحاد الشغل . ملف الاعلام : إن رضوخ الترويكا لمطالب موظفي دار الصباح والتراجع عن التعيينات كانت نقطة بداية الاستسلام لرغبات أبناء عبد الوهاب بن عبد الله غير الشرعيين فقد رأينا بأم أعيننا أن من كان يقود اعتصام دار الصباح أحد مرتزقة الصحافة التونسية ومن ساهم في الانقلاب على نقابة الصحفيين سنة 2009 وهو من ضمن النواة الصلبة لعصابة عبد الوهاب بن عبد الله و شاهدنا غيره من الوجوه المتورطة في الفساد الصحفي وهم كثيرون وأن هذا التنازل الذي قدمته الترويكا في التنازل عن صلاحيات التعيين كان من شأنه أن فتح الأبواب على مصراعيها ليتحكم الفاسدون من بقايا إعلام بن علي في التعيينات ويفرضوا على الساحة االاعلامية من هو لا يقل عنهم فسادا للتحكم في القطاع. نحن نعلم أن كشف القائمة السوداء ستحيل مئات الصحفيين على البطالة القسرية وربما تتسبب في إغلاق التلفزة والإذاعة الوطنية ومنابر إعلامية أخرى نتيجة لهذا الكشف الجماعي لأن ذلك سيكون فضيحة جماعية بأتم معنى الكلمة وإن التراجع عن الكشف عن هذه القائمة فوتت على الثورة فرصة تاريخية وفوتت على الترويكا ضربة قاصمة لظهور المرتزقة والانتهازيين الذين مازالوا إلى هذه اللحظة يؤثثون البرامج التلفزية والإذاعية ويقصفوننا قصفا بالأضاليل والترهات والأكاذيب والشعب يعلم جيدا أن منفعة كشف هؤلاء أكبر بكثير من تهلهل الكادر الصحفي للإعلام العمومي لأن أجدادنا قالوا سابقا وهم صادقون "حانوت مسكر ولا كرية مشومة" أما عن ملف النقابة فقد كان واضحا وجليا أن تركيبة المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل ما بعد عبد السلام جراد هي تركيبة سياسية بامتياز وأن مخططها السياسي يغلب مخططها النقابي والاجتماعي خاصة وأن الاحزاب اليسارية المنهزمة في الانتخابات لم يعد لها من خيار إلا المراهنة على وزن الاتحاد ورصيده التاريخي في النضال لتعديل الكفة أو قلب الطاولة إن أمكن وقد ساهم ضعف الترويكا وسذاجتها السياسية في إعطاء مواقع للاتحاد لم تكن لتحتلها في ظروف انتقال ديمقراطي ومن ذلك الرضوخ لأغلب المطالبات بالترفيع في الأجور بما في ذلك المطالب المشطة والتعجيزية والتي لم يكن يحلم الاتحاد بتحقيقها لأنها مناقضة ومتضادة مع التفكير السليم في الربط الضروري بين الانتاج والأجور مما تسبب في تفاقم عجز ميزانية الدولة وصعود ناري وغير مقبول للأسعار.