حدد الرئيس الأمريكي جورج بوش أهداف حكومته للعام الجديد الذي سيشهد في نهاياته أيضا انتخابات رئاسية، بأنها ضمان أمن الولاياتالمتحدة ونشر نفوذها في عالم محاصر بما يسميه «الإرهاب». واصفا سياسته الخارجية بأنها سياسة ستجابه التهديدات المحدقة بالولاياتالمتحدة-من دول أخرى أو خلايا إرهابية- بمساعدة أو بدون مساعدة أو مباركة الحلفاء، وهي سياسة تستخدم القوة العسكرية والدبلوماسية لنشر ما يسميها «الديمقراطية في كافة أنحاء الشرق الأوسط والعالم.» وقال بوش «إننا سنشجع قوة وفعالية المؤسسات الدولية وسنستخدم القوة عندما تكون ضرورية في الدفاع عن الحرية وسنرفع نموذجا للديمقراطية في كل جزء من أجزاء العالم وعلى أساس هذه الأعمدة الثلاثة سنبني السلام والأمن لكل الدول الحرة في وقت الخطر.» ويرى محللون أن صيغة بوش مع انتهاء العام الماضي قد حققت نتائج مختلطة. فقد نجح في الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين بعد احتلال العراق، وأنها أيضا حققت تقدما في الحرب على ما تسميه واشنطن (الإرهاب). ولكن عندما يتعلق الأمر بالنفوذ فإن بوش وكبار مساعديه يجهدون أنفسهم لإقناع العالم بأن يرى الأمور كما يروها بالنسبة للقضايا الصغيرة والكبيرة فيما يشهد العالم تصاعدا متزايدا للمشاعر المناهضة للولايات المتحدة. حصيلة... هزيلة وقال رئيس مجلس العلاقات الخارجية المرموق ريتشارد هاس، الذي كان في وقت قريب مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية، إنه «بالنسبة للنفوذ، فلم يكن عام 2003 عاما جيدا، لقد حققنا قدرا كبيرا، بمفردنا الى حد بعيد، لقد كان هناك عرض للقوة الأمريكية وليس للنفوذ. فلم نقنع الناس أن يقفوا معنا، ولم نحصل على مشروع قرار ثان من الأممالمتحدة حول العراق، وحصلنا على القليل جدا من الدعم الاقتصادي والعسكري للحرب، ولم يصدر القرار بعد على مدى ما سنكون عليه من النجاح بشأن النفوذ على الشعب العراقي.» ويعتقد ويليام دوغلاس المحلل في مجموعة صحف نايت ريدر أن المسؤولين الأمريكيين لا يوافقون على مثل هذا التقييم، إذ يشيرون إلى أن الأحداث تظهر نجاح مبدأ بوش، فهم يقولون أن قوات الاحتلال الأمريكي اعتقلت الرئيس العراقي، كما أن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تعهد بتفكيك برامج بلاده لأسلحة الدمار الشامل، كما أن فرنسا وألمانيا المعارضتين للحرب على العراق وافقتا على التخلي عن جزء من ديونهما على العراق. ويضيف بعض المسؤولين الأمريكيين القول بأن موافقة إيران مع الدول الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية على عمليات التفتيش المفاجئة على منشآتها النووية قد حدث بدون أن تستخدم الولاياتالمتحدة القوة العسكرية أو التلويح بها، تاركة الأمر للدول الأوروبية إيجاد حل يرضي واشنطن. ويعتقد المحلل في مؤسسة هيرتيج (التراث) اليمينية في واشنطن، جون هولسمان أن «الولاياتالمتحدة منهمكة الآن في قضايا تتعلق ببلد بعد بلد، وقضية بعد أخرى، والولاياتالمتحدة تتولى دور رئيس مجلس الإدارة.» منطق القوة ويرى سياسيون أمريكيون أن النجاحات التي حققتها حكومة بوش لم تكن نتيجة اقتناع العالم بصحة سياستها، بمقدار ما اعتمدت على عرض القوة، فيما قد فشلت في الحصول على دعم دولي لحربها على العراق، إذ لم تفلح عروضها برشوة تركيا بمليارات الدولارات والتي قد تصل إلى 25 مليار دولار، من منح وقروض من التأثير على البرلمان التركي للسماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية مقرا ومعبرا للحرب على العراق. كما أن حلف الناتو رفض طلب واشنطن بلعب دور أكبر في العراق. ويعزو الرئيس الديمقراطي الأسبق للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي، لي هاملتون ذلك الى «التناقض في القوة الأمريكية، فلدينا كل القوة، ولكن لا يبدو أننا في قمة النفوذ.» وقال هاميلتون الذي يترأس حاليا معهد ودرو ويلسون للأبحاث في واشنطن، أنه من أجل أن تكون حكومة بوش قادرة على تحقيق النفوذ ينبغي عليها أن تكون راغبة في التوصل إلى حلول وسطى وهو لم يكن قضيتها القوية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. مضيفا «إن المنظار الذي يرى فيه الرئيس بوش من خلاله السياسة الخارجية هو الحرب ضد الإرهاب. وبقية العالم لا ينظر إلى هذه الحرب من نفس المنظار.» ويقدم محللون وخبراء في السياسة الخارجية العلاقات مع المكسيك كنموذج لضعف النفوذ الأمريكي، حيث تسبب اختلاف وجهات النظر في إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية. فبعد 11 سبتمبر 2001 أوقفت الولاياتالمتحدة تقريبا محادثاتها مع المكسيك حول اتفاقية جديدة خاصة بسياسة الهجرة تشتمل على برنامج «عمال ضيوف» ومنح صفة الشرعية لعشرات الآلاف من المكسيكيين الذين يعيشون في الولاياتالمتحدة. فبينما يعتقد الرئيس المكسيكي فيسينت فوكس أنه سواء كان هناك إرهاب أم لا فإن سياسة الهجرة يجب أن يكون لها الأولوية، فإن البيت الأبيض يرى الأمور خلاف ذلك. وعارض فوكس آنذاك الحرب على العراق وقام المندوب المكسيكي الدائم لدى الأممالمتحدة من خلال عضويته في مجلس الأمن، بأعمال اللوبي مع الدول الأخرى للتصويت ضد الحرب. مناهضة أمريكا وقد أظهر استطلاع واسع للرأي أجراه في شهر جوان الماضي مركز أبحاث بيو الذي تترأسه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت أن الحرب على العراق وتجاهل وجهات نظر الآخرين في العالم والطريقة التي تلعب بها الدور القيادي، قد عمقت المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم. ويظهر الاستطلاع أن أكثرية العالم الإسلامي لا يرى في بوش وسيطا نزيها في مساعي تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، لأنه عزل سياسيا ياسر عرفات، في الوقت الذي لا يمارس فيه ضغطا على رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون الذي لم يبد أي دلائل على وقف حقيقي للاستيطان اليهودي، وبناء جدار الفصل الذي يقضم أراضي الضفة الغربية ويزيد من تقسيمها. ويرى المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي للشرق الأوسط إدوارد ووكر أن «الموقف لم يكن اسوا مما عليه الآن في المنطقة تجاه الولاياتالمتحدة ككل، فقد كان لدى العرب توقعات كبيرة من هذه الحكومة وبخاصة بوش ونائبه تشيني، ولكن الآن فإنهم يعتقدون أن الحكومة سقطت في سياسات شارون وهي متجاهلة للعالم العربي.» وقد وصل الأمر بوضعية أمريكا في العالم في عهد بوش إلى أن لدى الرجل العادي في الصين التي تتمتع بعلاقات دافئة مع الولاياتالمتحدة، صورة ليست جيدة بشكل عام عن أمريكا. وقال فيكتور يوان، رئيس مركز أبحاث «هورايزون» المتخصص في الشؤون الصينية أن 80 بالمائة من الشعب الصيني يعتقدون أن أمريكا هي أهم شريك اقتصادي للصين فيما يعتقد 20 بالمائة فقط أنها شريك استراتيجي. وبينما يعتبر 30 بالمائة من الصينيين أن الولاياتالمتحدة عدو فإن ثلثي الشعب الصيني يحملون انطباعا سلبيا عن الغزو الأمريكي للعراق.